ناقد بناء
معاون
طاقم الإدارة
معاون
نسوانجي متفاعل
نسوانجي متميز
دكتور نسوانجي
أستاذ نسوانجي
عضو
ناشر قصص
نسوانجي قديم
- إنضم
- 17 ديسمبر 2021
- المشاركات
- 9,480
- مستوى التفاعل
- 3,088
- نقاط
- 21,101
- الجنس
- ذكر
- الدولة
- كندا
- توجه جنسي
- أنجذب للإناث
٤٠
في تمام السادسة كانت سيارة الدكتور محمود الصغيرة أمام منزل الدكتور مصطفى ،كان الأخير بانتظاره ، فانطلقا على الفور إلى المقطم؛ حيث يسكن الدكتور محمد شاهين ..وفي الطريق تساءل الدكتور مصطفى :
,
, -هل يعيش الدكتور محمد بمفرده في فيلته؟.
,
, -نعم ..فهو لم يتزوج أبداً ..سمعت ما يقال أنه كانت هناك طبيبة إنجليزية أحبها إلا أنهما لم يتفقا في النهاية، وانفصلا ،ولم يفكر بعدها في الارتباط بأخرى..
,
, - إنها إذا عقدة الحب الفاشل التي تظل تلاحقك طوال عمرك .. هذا يعني أنه الطبيب النفسي معرض هو الآخر لأن يسقط فريسة عقدة ما كما يبدو..لكن كيف يقضي وقته إذن ،وقد أغلق عيادته على ما أعلم.
,
, -الرجل يعيش بين كتبه، وأبحاثه ،ولا أظنه يشكو الفراغ ..ستذهل بشدة حين ترى مكتبته ،ومعمله حيث يجري أبحاثه.
,
, نظر إليه الدكتور مصطفى بتعجب ،وقال:
,
, -وهل يقوم بأبحاث ما؟..
,
, ابتسم الدكتور محمود مجيباً :
,
, -بالتأكيد ..إن أبحاثه هي التي تقودنا إليه الآن ..إنه يعمل في مجال الخوارق ، وما وراء الطبيعة كما تعلم ..
,
, لم يفهم الدكتور مصطفى هذه الأبحاث التي يقوم بها فقال بتعجب:
,
, -وكيف تكون مثل هذه الأبحاث ..هل يقوم مثلاً بتحضير الأرواح والجان مثلاً ؟.. أنا لا أفهم كيف تكون هناك أبحاث في تلك الأمور أطلق الدكتور محمود ضحكة قصيرة قبل أن يجيب:
,
, -ربما يفعل هذا..إن كل شيء ممكن مع الدكتور محمد شاهين..هذا ما ستدركه حتما حين تعامله ..لكني أعتقد أن الأمر أكبر من ذلك ..فهو مثلاً يهتم برصد الأصوات الصادرة من الفضاء ،وتلك الصادرة من المقابر .. لاحظ أن فيلته قريبة من منطقة المقابر، وربما كان هذا أحد أهدافه حين اختار مكانها.. كما أخبرني مرة أنه يقوم برصد الهالات التي تحيط بالإنسان في حالاته المزاجية المختلفة ،ربما تكون تجاربه تلك غريبة حقا .. لكنه يقوم بها بجدية تامة.
,
, صمت الدكتور مصطفى مفكراً في الأمر بجدية ..متسائلاً عن الفائدة التي ستعود علينا من هذه العلوم ..إنها علوم هلامية من الصعب أن تعرف بدايتها من نهايتها كما أنه من الصعب أن تستطيع إثبات نتائجها..
,
, كان أمر الدكتور محمد يحيره ،فالرجل كان كما يعلم ينتظره مستقبل واعد في مجال الطب النفسي ،وعيادته صارت ذا صيت في فترة قصيرة، فكيف من الممكن أن يتجاهل رجل ما كل هذا النجاح ؛لينهمك في دراسة علوم غير مجدية .. بالطبع كان من العسير عليه أن يتفهم هذا إلا أنه أوعزه في النهاية لفضول العلماء للمعرفة الذي لاينتهي مهما كان نوعها.
,
, لم يستغرق الطريق منهما أكثر من نصف الساعة حتى كانوا أمام فيلته الصغيرة ..توقفوا بالسيارة أمام الباب الخارجي للفيلا ،حيث هرع حارس متقدم في السن نحوهما حين رأى السيارة ؛فابتسم الدكتور محمود، وبادره قائلاً :
,
, -كيف حالك ياعم إسماعيل؟ ..هل أنت بخير ؟..
,
, تعرفه البواب العجوز ؛فتهلل وجهه فرحاً ،وقال مرحبا :
,
, الحمد لله يادكتور ..مرحبا بك..مضى زمن طويل لم تأت فيه إلى هنا.
,
, -إنه العمل أيها العجوز ..لكن أخبرني ..هل الدكتور محمد بالداخل؟
,
, -نعم يادكتور ..إنه بداخل الفيلا الآن ..تفضل يادكتور..سوف أقودكما للداخل.
,
, قالها، وفتح لهما الباب الحديدي المليء بالزخارف الأنيقة، فمرت سيارة الدكتور محمود عبره للداخل ..
,
, هبطوا من السيارة ،واتجهوا إلى ممر مبطن بالأحجار خصص للسير عليه .. كان جانبي الممر مزينا بأنواع شتى من النباتات والأعشاب والزهور ..وكانت النباتات ترسم بأشكالها وألوانها لوحات فنية بديعة بالرغم من الظلام ،بفضل بعض كشافات الإضاءة التى تم توزيعها بطريقة هندسية رائعة ؛فأشاعت في المكان ظلالاً محببة ..
,
, تأمل الدكتور مصطفى منبهراً ، الحديقة المرتبة على شكل أحواض مربعة، ودائرية تحوي أنواعاً لاحصر لها من الشجيرات والورود والأزهار المختلفة ألوانها وأشكالها.. فقال له الدكتور محمود، وهو يلحظ إعجابه، وانبهاره:
,
, -الدكتور محمد من عشاق النباتات ..هو يرى أنها هي الأخرى تملك طاقات وقدرات نجهلها ..كما أن لها لغات تتحاور بها مثلنا تماماً ..وأظن أن بعض أبحاثه تشمل هذه الناحية.
,
, ثم مال على أذنه ،وقال بصوت خافت بمرح:
,
, -بعض هذه النباتات تساوي ثروة ..فهى نادرة للغاية ،وبعضها تم جلبه خصصياً من أجله من خارج مصر ،كما أن الرجل يهتم بحديقته بنفسه.
,
, كان مرأى النباتات والورد مبهجاً ، وقد انتشر عبقها الطيب في المكان ؛ فأضفى إلى متعة الحديقة البصرية التى تسلب الأبصار متعة الرائحة الطيبة التي تفوح من كل مكان فيها ..ظلت أعينهم معلقة بالحديقة ،وراحت تتنقل بين جنباتها المبهرة، حتى دلفوا إلى داخل الفيلا.
,
, لاحظ الدكتور مصطفى على الفور الطراز الكلاسيكي الإنجليزي الذي صبغ كل شيء بالداخل ..لابد أن الدكتور محمد قد استوحاه من معيشته بإنجلترا ..انتظمت أرضية الفيلا على مستويين يفصلهما عدة درجات من الرخام ، وقد بطنت الأرض بالرخام والجرانيت ،وتوزعت في جوانب الفيلا الكثير من الأعمدة، و التماثيل الحجرية أو البرونزية..
,
, كانت هناك مدفأة حجرية تتوسط البهو ..ذكرت هذه المدفأة الدكتور مصطفى بمدافئ البيوت الإنجليزية الريفية التى طالما رآها في القصص المترجمة..
,
, اتجه بصره نحو الحوائط التي زينتها الكثير من اللوحات الفنية والصور الشخصية..كان هناك صورة تمثل باشا لو أن لك أن تتصور شكل الباشاوات بملامح صارمة ،وأنف مستقيم حازم ،وشارب كث طويل ملفوف لأعلى ..لابد أنه المرحوم داود باشا شاهين والد الدكتور محمد .. لم يسترح الدكتور مصطفى لملامحه ،وخاصة عيونه الحادة التى أشعرته بالتوتر .. كانت العينان تحملان نظرة مخيفة توحي بالصرامة والعنجهية والتعالي ،وشيءآخر مرعب ،ومبهم لاتدرى ماهو .. بالتأكيد كانت تجربة التعامل مع شخص كهذا لو كان حياً ماكانت لتكون سارة أو محببة للنفس ..
,
, كان هناك صورة أخرى لسيدة شابة و فاتنة بفستان بسيط أنيق يعود لثلاثينيات القرن الماضي ..كانت تبتسم بود ودفء أضفى لملامحها إحساسا بالألفة والراحة ..خمن الدكتور مصطفى أنها لابد أن تكون والدة الدكتور محمد ..كانت هناك أيضا بعض صور الدكتور محمد ،عرفها الدكتور مصطفى على الفور ، فهو قد رآه من قبل، وإن لم يتبادلا التعارف أو الحديث ألا لماما - اللِّمَامُ : اللِّقاءُ اليسير - ..
,
, اتجها إلى الصالون ؛حيث جلسا فيه على أرائك مذهبة ؛لابد أنها تعود لأحد نبلاء العصور الوسطى ..هكذا خمن الدكتور مصطفى، وهو يتحسسها بتعجب وانبهار، بينما انسحب البواب العجوز بعد أن أخبرهم أن الدكتور قادم إليهم على الفور.
,
, تطلعا بانبهار إلى اللوحات الكثيرة المتنوعة، و المنتشرة على الجدران حولهم مانحة للفيلا طابعاً محبباً من الرقي الممتزج بالذوق الرفيع ..مما دفع الدكتور مصطفى لإطلاق صفير خافت منبهر وقال:
,
, -الفيلا بأثاثها ولوحاتها وتصميمها وحديقتها تحفة فنية حقاً .. إنني أحسد هذا الرجل من كل قلبي عليها.. أن يعيش المرء هاهنا يشبه العيش بالجنان.
,
, ضحك الدكتور محمود ،وهو يلاحظ انبهار الدكتور مصطفى بكل شيء ..هو نفسه كان منبهراً مثله تماما حين أتى للمكان لأول مرة..لذا قال :
,
, -من حسن حظك أن الدكتور محمد لايتطير،ولايخاف من الحسد .. بل سيدهشك أنه سيطرب لمديحك هذا ..
,
, ارتفع في المكان صوت خطوات قادمة من أعلى الدرج الخشبي، فانتبها إلى الدكتور محمد القادم نحوهم بقامته المتوسطة وملامحه الأرستقراطية التي تحمل ملامح والده، وإن أذابتها ابتسامته الدافئة٣ نقطة
,
, كان يرتدي ملابسه كاملة ، ويحمل غليوناً بجانب فمه كما يفعل الرجال الجنتل مان الإنجليز ..رحب بهما بود كامل، وأشار إليهما بالجلوس ..
,
, كان قد التقى بالدكتور مصطفى من قبل؛ فلم يحْتج لأن يقدمه الدكتور محمود له ..وقال له محاولاً إشعاره بالود والترحيب:
,
, -هل أعجبتك فيلاتي الصغيرة هذه ؟.
,
, -في الواقع لم أرَ شيئاً مبهراً مثلها من قبل ..كل شيء بها هو قطعة فنية لاتوصف ..إنها تصلح بكل ثقة أن تكون متحفاً للفنون.
,
, أطربت كلماته الدكتور محمد ؛فقال بأسى حقيقي :
,
, -أنت لم تر قصر والدي قبل أن تأممه الثورة، وينهبه لصوصها..كان شيئاً رائعاً من الصعب أن تقارنه بهذه الفيلا الصغيرة.
,
, واكتسى صوته رنة ألم ،وهو يضيف:
,
, -للأسف تم نهبه تماماً ..مايحزننى أن أمي قد تعبت كثيراً في تنسيقه، وجلب الكثير من التحف ،واللوحات الأصلية له من الكثير من أنحاء العالم ليبددها العسكر واللصوص بلا وعي لقيمتها الحقيقية..بالمناسبة إن والدتي نفسها كانت فنانة لها الكثير من اللوحات الرائعة.
,
, وأشار بيده إلى بعض اللوحات المعلقة على ركن من أركان الفيلا، وأكمل :
,
, -هذه اللوحات كلها بريشتها هي ..أعتقد أن بها بعض الأصالة والموهبة ؛ كما ترون .
,
, تطلعا إلى اللوحات التى أشار اليها..كانت تصور الطبيعة في صور مختلفة ..كان هناك لوحة تصور البحر وقت الغروب، وأخرى كانت تصور شجرة في مقتبل غابة ،وقد حل قت الطيور فوقها ،وثالثة صورت وردة حملت أوراقها ألوانا مختلفة ..عبقت اللوحات بالموهبة ،والحساسية الشديدة في اختيار الألوان ..
,
, فى نفس اللحظة ظهرت لهم سيدة متوسطة العمر ذات ملامح جميلة لكنها صارمة ،رمقتهم بنظرة متشككة غير مريحة ..فسألهم الدكتور محمد عمّا يرغبان في تناوله، فطلب الاثنان قهوة ،فطلب منها بلطف أن تحضر القهوة لهم جميعا .
,
, انصرفت بعد أن رمتهم بنظرة أخرى متفحصة ..فمال الدكتور محمود نحوه ،وقال بمكر :
,
, -أمازلت محتفظاً بمديرة بيتك هذه ..أنا لا أدري كيف تحتمل نظراتها الصارمة تلك ،والتي لاتفارق وجهها أبداً ..أحيانا أشعر أنك تخشاها ..ألا تفعل يارجل؟.
,
, أطلق الدكتور محمد ضحكة صاخبة ، وقد راقت له الدعابة وقال:
,
, -لن تصدقني لو قلت لك إنني أخشاها أحيانا ..لكنها، والحق يقال نظيفة ،وتقوم بأعمال المنزل بمهارة وتفان..أظن أنني قد اعتدت عليها ،ولم أعد أستطيع أن أدبر أمري بدونها.
,
, خيّم بعدها الصمت للحظة، ثم قال الدكتور محمد ،وقد وضع غليونه في فمه ورفع ساقاً فوق ساق:
,
, -والآن ماذا تنتظران من الساحر أن يقدم لكم ؟.
,
, أدرك الدكتور محمود مايعنيه بقوله هذا فأجاب على الفور :
,
, - في الواقع إننا في ورطة .. وقد جئنا طلباً لمساعدتك.
في تمام السادسة كانت سيارة الدكتور محمود الصغيرة أمام منزل الدكتور مصطفى ،كان الأخير بانتظاره ، فانطلقا على الفور إلى المقطم؛ حيث يسكن الدكتور محمد شاهين ..وفي الطريق تساءل الدكتور مصطفى :
,
, -هل يعيش الدكتور محمد بمفرده في فيلته؟.
,
, -نعم ..فهو لم يتزوج أبداً ..سمعت ما يقال أنه كانت هناك طبيبة إنجليزية أحبها إلا أنهما لم يتفقا في النهاية، وانفصلا ،ولم يفكر بعدها في الارتباط بأخرى..
,
, - إنها إذا عقدة الحب الفاشل التي تظل تلاحقك طوال عمرك .. هذا يعني أنه الطبيب النفسي معرض هو الآخر لأن يسقط فريسة عقدة ما كما يبدو..لكن كيف يقضي وقته إذن ،وقد أغلق عيادته على ما أعلم.
,
, -الرجل يعيش بين كتبه، وأبحاثه ،ولا أظنه يشكو الفراغ ..ستذهل بشدة حين ترى مكتبته ،ومعمله حيث يجري أبحاثه.
,
, نظر إليه الدكتور مصطفى بتعجب ،وقال:
,
, -وهل يقوم بأبحاث ما؟..
,
, ابتسم الدكتور محمود مجيباً :
,
, -بالتأكيد ..إن أبحاثه هي التي تقودنا إليه الآن ..إنه يعمل في مجال الخوارق ، وما وراء الطبيعة كما تعلم ..
,
, لم يفهم الدكتور مصطفى هذه الأبحاث التي يقوم بها فقال بتعجب:
,
, -وكيف تكون مثل هذه الأبحاث ..هل يقوم مثلاً بتحضير الأرواح والجان مثلاً ؟.. أنا لا أفهم كيف تكون هناك أبحاث في تلك الأمور أطلق الدكتور محمود ضحكة قصيرة قبل أن يجيب:
,
, -ربما يفعل هذا..إن كل شيء ممكن مع الدكتور محمد شاهين..هذا ما ستدركه حتما حين تعامله ..لكني أعتقد أن الأمر أكبر من ذلك ..فهو مثلاً يهتم برصد الأصوات الصادرة من الفضاء ،وتلك الصادرة من المقابر .. لاحظ أن فيلته قريبة من منطقة المقابر، وربما كان هذا أحد أهدافه حين اختار مكانها.. كما أخبرني مرة أنه يقوم برصد الهالات التي تحيط بالإنسان في حالاته المزاجية المختلفة ،ربما تكون تجاربه تلك غريبة حقا .. لكنه يقوم بها بجدية تامة.
,
, صمت الدكتور مصطفى مفكراً في الأمر بجدية ..متسائلاً عن الفائدة التي ستعود علينا من هذه العلوم ..إنها علوم هلامية من الصعب أن تعرف بدايتها من نهايتها كما أنه من الصعب أن تستطيع إثبات نتائجها..
,
, كان أمر الدكتور محمد يحيره ،فالرجل كان كما يعلم ينتظره مستقبل واعد في مجال الطب النفسي ،وعيادته صارت ذا صيت في فترة قصيرة، فكيف من الممكن أن يتجاهل رجل ما كل هذا النجاح ؛لينهمك في دراسة علوم غير مجدية .. بالطبع كان من العسير عليه أن يتفهم هذا إلا أنه أوعزه في النهاية لفضول العلماء للمعرفة الذي لاينتهي مهما كان نوعها.
,
, لم يستغرق الطريق منهما أكثر من نصف الساعة حتى كانوا أمام فيلته الصغيرة ..توقفوا بالسيارة أمام الباب الخارجي للفيلا ،حيث هرع حارس متقدم في السن نحوهما حين رأى السيارة ؛فابتسم الدكتور محمود، وبادره قائلاً :
,
, -كيف حالك ياعم إسماعيل؟ ..هل أنت بخير ؟..
,
, تعرفه البواب العجوز ؛فتهلل وجهه فرحاً ،وقال مرحبا :
,
, الحمد لله يادكتور ..مرحبا بك..مضى زمن طويل لم تأت فيه إلى هنا.
,
, -إنه العمل أيها العجوز ..لكن أخبرني ..هل الدكتور محمد بالداخل؟
,
, -نعم يادكتور ..إنه بداخل الفيلا الآن ..تفضل يادكتور..سوف أقودكما للداخل.
,
, قالها، وفتح لهما الباب الحديدي المليء بالزخارف الأنيقة، فمرت سيارة الدكتور محمود عبره للداخل ..
,
, هبطوا من السيارة ،واتجهوا إلى ممر مبطن بالأحجار خصص للسير عليه .. كان جانبي الممر مزينا بأنواع شتى من النباتات والأعشاب والزهور ..وكانت النباتات ترسم بأشكالها وألوانها لوحات فنية بديعة بالرغم من الظلام ،بفضل بعض كشافات الإضاءة التى تم توزيعها بطريقة هندسية رائعة ؛فأشاعت في المكان ظلالاً محببة ..
,
, تأمل الدكتور مصطفى منبهراً ، الحديقة المرتبة على شكل أحواض مربعة، ودائرية تحوي أنواعاً لاحصر لها من الشجيرات والورود والأزهار المختلفة ألوانها وأشكالها.. فقال له الدكتور محمود، وهو يلحظ إعجابه، وانبهاره:
,
, -الدكتور محمد من عشاق النباتات ..هو يرى أنها هي الأخرى تملك طاقات وقدرات نجهلها ..كما أن لها لغات تتحاور بها مثلنا تماماً ..وأظن أن بعض أبحاثه تشمل هذه الناحية.
,
, ثم مال على أذنه ،وقال بصوت خافت بمرح:
,
, -بعض هذه النباتات تساوي ثروة ..فهى نادرة للغاية ،وبعضها تم جلبه خصصياً من أجله من خارج مصر ،كما أن الرجل يهتم بحديقته بنفسه.
,
, كان مرأى النباتات والورد مبهجاً ، وقد انتشر عبقها الطيب في المكان ؛ فأضفى إلى متعة الحديقة البصرية التى تسلب الأبصار متعة الرائحة الطيبة التي تفوح من كل مكان فيها ..ظلت أعينهم معلقة بالحديقة ،وراحت تتنقل بين جنباتها المبهرة، حتى دلفوا إلى داخل الفيلا.
,
, لاحظ الدكتور مصطفى على الفور الطراز الكلاسيكي الإنجليزي الذي صبغ كل شيء بالداخل ..لابد أن الدكتور محمد قد استوحاه من معيشته بإنجلترا ..انتظمت أرضية الفيلا على مستويين يفصلهما عدة درجات من الرخام ، وقد بطنت الأرض بالرخام والجرانيت ،وتوزعت في جوانب الفيلا الكثير من الأعمدة، و التماثيل الحجرية أو البرونزية..
,
, كانت هناك مدفأة حجرية تتوسط البهو ..ذكرت هذه المدفأة الدكتور مصطفى بمدافئ البيوت الإنجليزية الريفية التى طالما رآها في القصص المترجمة..
,
, اتجه بصره نحو الحوائط التي زينتها الكثير من اللوحات الفنية والصور الشخصية..كان هناك صورة تمثل باشا لو أن لك أن تتصور شكل الباشاوات بملامح صارمة ،وأنف مستقيم حازم ،وشارب كث طويل ملفوف لأعلى ..لابد أنه المرحوم داود باشا شاهين والد الدكتور محمد .. لم يسترح الدكتور مصطفى لملامحه ،وخاصة عيونه الحادة التى أشعرته بالتوتر .. كانت العينان تحملان نظرة مخيفة توحي بالصرامة والعنجهية والتعالي ،وشيءآخر مرعب ،ومبهم لاتدرى ماهو .. بالتأكيد كانت تجربة التعامل مع شخص كهذا لو كان حياً ماكانت لتكون سارة أو محببة للنفس ..
,
, كان هناك صورة أخرى لسيدة شابة و فاتنة بفستان بسيط أنيق يعود لثلاثينيات القرن الماضي ..كانت تبتسم بود ودفء أضفى لملامحها إحساسا بالألفة والراحة ..خمن الدكتور مصطفى أنها لابد أن تكون والدة الدكتور محمد ..كانت هناك أيضا بعض صور الدكتور محمد ،عرفها الدكتور مصطفى على الفور ، فهو قد رآه من قبل، وإن لم يتبادلا التعارف أو الحديث ألا لماما - اللِّمَامُ : اللِّقاءُ اليسير - ..
,
, اتجها إلى الصالون ؛حيث جلسا فيه على أرائك مذهبة ؛لابد أنها تعود لأحد نبلاء العصور الوسطى ..هكذا خمن الدكتور مصطفى، وهو يتحسسها بتعجب وانبهار، بينما انسحب البواب العجوز بعد أن أخبرهم أن الدكتور قادم إليهم على الفور.
,
, تطلعا بانبهار إلى اللوحات الكثيرة المتنوعة، و المنتشرة على الجدران حولهم مانحة للفيلا طابعاً محبباً من الرقي الممتزج بالذوق الرفيع ..مما دفع الدكتور مصطفى لإطلاق صفير خافت منبهر وقال:
,
, -الفيلا بأثاثها ولوحاتها وتصميمها وحديقتها تحفة فنية حقاً .. إنني أحسد هذا الرجل من كل قلبي عليها.. أن يعيش المرء هاهنا يشبه العيش بالجنان.
,
, ضحك الدكتور محمود ،وهو يلاحظ انبهار الدكتور مصطفى بكل شيء ..هو نفسه كان منبهراً مثله تماما حين أتى للمكان لأول مرة..لذا قال :
,
, -من حسن حظك أن الدكتور محمد لايتطير،ولايخاف من الحسد .. بل سيدهشك أنه سيطرب لمديحك هذا ..
,
, ارتفع في المكان صوت خطوات قادمة من أعلى الدرج الخشبي، فانتبها إلى الدكتور محمد القادم نحوهم بقامته المتوسطة وملامحه الأرستقراطية التي تحمل ملامح والده، وإن أذابتها ابتسامته الدافئة٣ نقطة
,
, كان يرتدي ملابسه كاملة ، ويحمل غليوناً بجانب فمه كما يفعل الرجال الجنتل مان الإنجليز ..رحب بهما بود كامل، وأشار إليهما بالجلوس ..
,
, كان قد التقى بالدكتور مصطفى من قبل؛ فلم يحْتج لأن يقدمه الدكتور محمود له ..وقال له محاولاً إشعاره بالود والترحيب:
,
, -هل أعجبتك فيلاتي الصغيرة هذه ؟.
,
, -في الواقع لم أرَ شيئاً مبهراً مثلها من قبل ..كل شيء بها هو قطعة فنية لاتوصف ..إنها تصلح بكل ثقة أن تكون متحفاً للفنون.
,
, أطربت كلماته الدكتور محمد ؛فقال بأسى حقيقي :
,
, -أنت لم تر قصر والدي قبل أن تأممه الثورة، وينهبه لصوصها..كان شيئاً رائعاً من الصعب أن تقارنه بهذه الفيلا الصغيرة.
,
, واكتسى صوته رنة ألم ،وهو يضيف:
,
, -للأسف تم نهبه تماماً ..مايحزننى أن أمي قد تعبت كثيراً في تنسيقه، وجلب الكثير من التحف ،واللوحات الأصلية له من الكثير من أنحاء العالم ليبددها العسكر واللصوص بلا وعي لقيمتها الحقيقية..بالمناسبة إن والدتي نفسها كانت فنانة لها الكثير من اللوحات الرائعة.
,
, وأشار بيده إلى بعض اللوحات المعلقة على ركن من أركان الفيلا، وأكمل :
,
, -هذه اللوحات كلها بريشتها هي ..أعتقد أن بها بعض الأصالة والموهبة ؛ كما ترون .
,
, تطلعا إلى اللوحات التى أشار اليها..كانت تصور الطبيعة في صور مختلفة ..كان هناك لوحة تصور البحر وقت الغروب، وأخرى كانت تصور شجرة في مقتبل غابة ،وقد حل قت الطيور فوقها ،وثالثة صورت وردة حملت أوراقها ألوانا مختلفة ..عبقت اللوحات بالموهبة ،والحساسية الشديدة في اختيار الألوان ..
,
, فى نفس اللحظة ظهرت لهم سيدة متوسطة العمر ذات ملامح جميلة لكنها صارمة ،رمقتهم بنظرة متشككة غير مريحة ..فسألهم الدكتور محمد عمّا يرغبان في تناوله، فطلب الاثنان قهوة ،فطلب منها بلطف أن تحضر القهوة لهم جميعا .
,
, انصرفت بعد أن رمتهم بنظرة أخرى متفحصة ..فمال الدكتور محمود نحوه ،وقال بمكر :
,
, -أمازلت محتفظاً بمديرة بيتك هذه ..أنا لا أدري كيف تحتمل نظراتها الصارمة تلك ،والتي لاتفارق وجهها أبداً ..أحيانا أشعر أنك تخشاها ..ألا تفعل يارجل؟.
,
, أطلق الدكتور محمد ضحكة صاخبة ، وقد راقت له الدعابة وقال:
,
, -لن تصدقني لو قلت لك إنني أخشاها أحيانا ..لكنها، والحق يقال نظيفة ،وتقوم بأعمال المنزل بمهارة وتفان..أظن أنني قد اعتدت عليها ،ولم أعد أستطيع أن أدبر أمري بدونها.
,
, خيّم بعدها الصمت للحظة، ثم قال الدكتور محمد ،وقد وضع غليونه في فمه ورفع ساقاً فوق ساق:
,
, -والآن ماذا تنتظران من الساحر أن يقدم لكم ؟.
,
, أدرك الدكتور محمود مايعنيه بقوله هذا فأجاب على الفور :
,
, - في الواقع إننا في ورطة .. وقد جئنا طلباً لمساعدتك.